احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

ما يسمونه المسلسلات الدينية!

ما زلت أذكر زميلتي التي حلفت باللات والعزى ذات مرة تقليداً للذي مثل دور أبي سفيان رضي الله عنه في إحدى المسلسلات الدينية، بل كانت لشدة إعجابها بطريقته في التمثيل وشخصيته تقول: إنها تشجع فريق أبي سفيان في حلقة غزوة أحد! رغم أننا كنا في أواخر المرحلة الابتدائية، وكنا مميزين نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قائد الجيش الذي يحاربه أبوسفيان رضي الله عنه! ولا زلت أذكر مديرة المدرسة الابتدائية التي منعت الطالبات من تقليد شخصية الكاهن في المسلسل التي كانت تبث حلقاته عصر كل يوم في الشهر المبارك. كان الكاهن يجمع كفيه ويضعهما تحت عينيه ويتصنع الخشوع وهو يدخل المعبد، ثم ينحني أمام التمثال ويناجيه بخشوع وتضرع، وكان مما يقوله: لا نرضى بمعبود سواك، ويمط صوته ويموِّجه وهو يقول: سوااااكاا. وكانت شخصيته الغريبة التي نمقها الإعلام مما جذب انتباه الصغار وإعجابهم فطفقوا يقلدونه في المدرسة وبين الملأ! أما المعلومات التاريخية لذلك "المسلسل الديني" فلم تزدنا شيئاً على ما كنا نعرفه من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بقيت في الأذهان رغم طول الزمن بعض التفاصيل التي لا أدري من أين أتى بها كاتب السيناريو مثل مهارات سارا اليهودية في تطويع أبي جندل رضي الله عنه بعدما زوجه أبوه بها لما ملّ من تعذيبه، وكيف كانت تأخذه معها عند زيارة صاحبتها راحيل، وكيف كان أطوع لها من بنانها زماناً ثم أفاق، وتنبه إلى أنها تآمرت مع أبيه لتنسيه أمر اتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم، ففر منها ولحق بأبي بصير رضي الله عنه!

ولا أدري كيف تجاز سيناريوهات فيها مثل هذا الكذب، والتشويه لسير الصحابة رضوان الله عليهم، ويتغاضى عنها بحجة أن الحبكة الفنية تقتضيها، وأنها خادمة للنص المراد توصيله للمشاهدين، ثم يذهب كل أثر للنص المخدوم ولا يبقى في الأذهان إلا بقايا الحبكة!

ولا زلت أذكر كذلك مجلة أُهديتها في الصف الرابع اسمها تاريخنا، وكان مما فيها سيناريو لفتح مكة، وفيه رسم لأبي سفيان رضي الله عنه تعلوه علامات العجب والدهشة وهو يقول: "لم أر كالليلة ناراً قط ولا عسكراً، لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً". وبجانبه رسم للعباس رضي الله عنه وهو مكشر عن أسنانه _لا أدري لماذا_ وهو يقول: "يا أبا سفيان إنها النبوة"! كنت أتعجب من قدرة العباس على الكلام وأسنانه بهذه الحال، وطبعاً حاولت أن أقلده ثم أيقنت أنها ربما كانت واحدة من القدرات التي كان ينفرد بها العباس! المهم انطبع الرسم في ذهني، ولا زلت أذكر مكانه من الصفحة، وما زلت كلما ذكر الصحابيان الجليلان أذكر ذلك الرسم الذي كنت أحسبه يمثل حقيقة صورتيهما.

ما من شك أن للصورة الثابتة أو المتحركة، وللتمثيل أثر كبير على المتلقي صغيراً كان أم كبيراً وإن تفاوت الأثر، ومع ذلك نستخدمهما كغيرهما من الوسائل استخداماً سيئاً يضر ولا ينفع، بل قد يكون ضررهما بليغاً مهلكاً.

وإني لأعجب من قنوات تظن أنها تحسن صنعاً لأنها تعلم الناس تاريخ نبيهم صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم من خلال مسلسلات جلها مستفاد من أعمال أمثال النصراني جورجي زيدان، أو من حذا حذوه! ولو سلمنا جدلاً بأن جلة المشايخ وكبار العلماء يشرفون على كتابة السيناريو، ويمحصون روايات التاريخ التي تنقل الصحيح والسقيم، ولا يسمحون فيه بأي تجاوز أو تخليط، ويحرصون على تحري الثابت من الأخبار فلا يسوِّغ هذا صرف الملايين في إنتاج مثل هذه الأعمال التي لا تزيد الناس كثير علم بتاريخهم، بل لا تفعل شيئاً في حقيقة الأمر غير جذب المشاهدين المُسْتَغفلين لمشاهدة الإعلانات الكثيرة التي تسبق المسلسل وتتخلله وتليه، فالمقصود في حقيقة الأمر هو جيوب أصحاب القناة لا عقول مشاهديها.

ولو كنا نريد فعلاً صيانة تاريخنا وإيصاله للناشئة ناصعاً على حقيقته فالوسائل سوى هذه كثيرة، ولو اكتفينا بالطريقة التي وصلنا بها لما ضاع واندثر كما يحاول المنافحون عن مثل هذه الأعمال المستفيدون منها أن يوحوا إلى الناس. ولو تأملنا واقعنا لوجدنا أن تاريخنا ما ضاع وجهله الصغار والكبار إلا في زمن المسلسلات الدينية!




اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق