احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

مسلمات حتى الممات

منظمةُ مراقبة حقوق الإنسان كسائر المنظمات الغربية المشبوهة؛ تتسترُ بالدعوة لحقوق الإنسان والمنافحة عنها، وتعمل بجد لفرض الرؤية الغربية لما تسميه بحقوق الإنسان على كل المجتمعات، دون مراعاة للفوارق الدينية والثقافية بين المجتمعات، ودون اعتبار لخصوصية هوية المجتمعات وما تعده ثقافةُ المجتمع ظلمًا وما تعده واجبًا، متناسيةً أن إكراه الناس على تبني ثقافة واحدة تجاوُزٌ لأيسر حقوق الإنسان!

 

والمتأمل لما تنشره من تقارير، وما تقوم به من أعمال، يلحظ بوضوح تمييزَها بين المجتمعات، ويستيقن أنها واجهة من واجهات التخريب أو التغريب، ووسيلة من وسائل الغزو الثقافي. فقُبيل زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة دعته المنظمةُ لمناقشة قضايا حقوق الإنسان مع الملك –وفقه الله- ثم ساقت عددًا من التهم للحكومة السعودية؛ منها: التمييز المنهجي بحق المرأة. فالمنظمة لشدة حدبها على المرأة السعودية وفرط حرصها على مساواتها بالرجل –بزعمها- لم تكتف بتنبيه الحكومة، بل أخذت تستعين بزعماء الدول المستكبرة لرفع ما تراه ظلمًا يقع على المرأة؛ لأنها تلزم أو تلتزم بدينها، في حين إنها لم تشر من قريب ولا بعيد في تقاريرها عن فرنسا لممارسات النظام الذي يصر زعماؤه واحدًا بعد الآخر على حرمان المرأة المسلمة من التعليم والعمل إذا ارتدت الحجاب، وكأن إرغام الناس على مخالفة معتقداتهم ضرب من ضروب الإحسان إليهم!

 

ولما حدث اعتداء على إحدى العاملات الوافدات إلى المملكة فقدت بسببِه أصابعَها –على حد زعم بعض تقارير المنظمة- وقضت لها المحكمة بالتعويض، ملأت المنظمة الدنيا عويلا وصراخًا، وأفردت للقضية تقريرًا مستقلا في موقعها؛ لأن القضاء لم ينصف العاملة، في حين خنست المنظمة وخرست لما اختَطَفت زمرةٌ من المجرمين الفرنسيين المتلبسين بلباس العون والإغاثة؛ أطفالَ دارفور، وثبتت عليهم الجريمة، وحوكموا بالسجن، ثم لما سُلموا إلى بلادهم لقضاء مدة الحبس فيها عفا عنهم الرئيسُ الفرنسي الذي تدعوه هذه المنظمةُ لتعريف حكام المملكة بحقوق الإنسان وحملهم على احترامها!! سكتت عن هذه الجريمة المنكرة التي لا يختلف اثنان في بشاعتها كأنها لم تسمع بما يحدث برغم زعقها وصراخها من أجل ضحايا دارفور واستماتتها في استعداء الدول على الحكومة السودانية.

 

وآخرُ تقارير هذه المنظمة المشبوهة تقريرُها الذي سمته "قاصرات إلى الأبد" المنشور في موقعها والذي تناول انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن نظام الولاية والفصل بين الجنسين. والمتأمل لهذا التقرير يعجب مما جاء فيه! بدءًا من لغة الخطاب وانتهاء بمضامينه؛ إذ كيف تخاطِب منظمةٌ؛ قراراتُها غيرُ ملزمة للدول وفقًا للقانون؛ مَلِكَ دولةٍ بأوامر صريحة وإملاءات واضحة مجردة عن عبارات اللطف والأدب التي تقتضيها برتوكولاتُ القوم، ويفرضها العقل على كل من أراد دعوة كبير من الكبراء ليس له عليه سلطان، ومن ذلك قولهم: "وينبغي للملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أن يُشرّع بموجب مرسوم ملكي إيقاف العمل بنظام الولاية القانونية على النساء الراشدات، وعلى الملك أن يسن آلية للإشراف تضمن توقف الهيئات الحكومية عن طلب إذن ولي الأمر للسماح للنساء الراشدات بالعمل والسفر والدراسة والزواج وتلقي الرعاية الصحية أو الحصول على خدمة عامة. وعلى وزارات الصحة والتعليم العالي والداخلية والعمل أن تصدر أوامر واضحة وصريحة للعاملين بهذه الوزارات تحظر طلبهم لوجود ولي الأمر أو إذنه من أجل السماح للمرأة بالحصول على أية خدمة، ويجب عليهم ضمان إدراك النساء الكامل بأن حقوقهن لن تتعرض للانتقاص بسبب سياسات وممارسات الفصل بين الجنسين".

 

فعجبًا من جرأة القوم! لا أدب، ولا حياء، مع وقاحة في المطالبة بالباطل، يوجهون تلك التعليمات إلى الملك، ثم يتجاوزونه ليوجهوها إلى مؤسسات الدولة الرسمية!!

 

عَمْرَك الله لو وَجَّه هذا الخطاب داعيةٌ إلى ملك بحق، ألم تكن العقوبة تلحقه؟

 

فكيف إذا كان الخطاب كهذا التقرير العَريِّ عن التهذيب، المليء بالغلط والتلبيس الذي يميزه كل عقل سليم مستقيم؟!

 

طريقة المنظمة في تقصي الحقائق:

1- الانتقائية في أخذ العينات وفئران التجارب:

إن الناظر في التقرير يلحظ ما فيه من تحامل وتلبيس؛ بدءًا من طريقة الدراسة وانتهاء بنتائجها. أما طريقة الدراسة، فمقابلات مجموعها 109 مقابلة من قبل وفد زائر بغرض تقصي الحقائق! وكانت تلك المقابلات منتقاة؛ فقد جاء في التقرير نفسه ما نصه: "وتم التوصل إلى النساء اللاتي أجريت المقابلات معهن في الغالب بمساعدة ناشطات حقوق الإنسان السعوديات"، وضَعْ علامة استفهام على هؤلاء الناشطات، وانظر إلى من سوف يرشدن؟ والحق أن هذا الانتقاء في إجراء المقابلات وأخذ الشهادات مؤشر جيد لحال النساء في المملكة؛ يدل على أنهن لا يزلن بخير، وحسبك أن هؤلاء الناشطات اللائي تدعمهن منظمةٌ كبرى لم يجدن في المملكة العربية السعودية التي يبلغ تَعدادُ النساء فيها نحو 13 مليون امرأة[1] غير 109 يشهدن بتلك الشهادات القاصرة، ولو وجدوا لتكَثَّروا؛ فإن الحشد والتكثر من شأنهم وشأنهن، فكيف وتفاصيلُ شهادات هؤلاء الـ109 لا ندري عن كثير منها وما جاء فيها، والناقل غير ثقة ولا مؤتمن.

 

وإذا فرض أن في البلاد 109 امرأة بل عشرة أضعافهن يعبن ما قررته الشريعة أو يفهمنه فهمًا خاصًا بهن، فأضعافهن يخالفنهن الفهم ويرضين بل يعرفن فضل ما شرع لهن.

 

وليست هذه الانتقائية بالجديدة في أسلوب القوم، كما أن تحريف الحقائق معهود مأثور عنهم قديمًا، ولا سيما لدى الحركات التي تزعم أنها حقوقية، وهذا ما يقوله مناهضو الحركات التحررية في الغرب من الغربيين أنفسهم، بل يقوله كذلك منهم باحثون مستقلون ينظرون إلى بعض القضايا بعين الإنصاف[2].

 

2- التلفيق إذا لزم الأمر:

ليتهم اقتصروا على الانتقاء عند جمع الشهادات، بل بعض الأمثلة تشير إلى أن عضوات المنظمة أو بعض الشاهدات اضطررن لاختلاق الحوادث ليثبتن أن نظام الولاية يجرد المرأة من كل الحقوق، ويمنعها من عمل أبسط الأشياء. جاء في التقرير: "مثلا تحظر بعض متاجر الهواتف النقالة على النساء شراء الأجهزة دون وجود ولي الأمر! وقالت امرأة لـ هيومن رايتس ووتش: تحاول ابنتي الحصول على هاتف نقال، وقالت للبائع: إنها يمكنها الكشف عن وجهها لتأكيد هويتها، لكن البائع رفض"!

 

ليت شعري أين تقع مثل هذه المتاجر؟ ومنذ متى كان شراء الهواتف لا يتم إلا بعد إبراز بطاقة الهوية؟ يبدو أن هذه الشهادة مقتبسة من رواية "بنات الرياض" أو "نساء على خط الاستواء"؛ إذ لا وجود لمثل هذه الشروط في دنيا الناس! ويبدو أن ناشطات حقوق الإنسان قصّرن في حق وفد تقصي الحقائق فلم يأخذنه إلى برج المملكة أو ما شاكله من الأماكن التجارية ليرى المتسكعات من الحواسر والمتبرجات.

 

وهذا نموذج عجيب آخر ورد في التقرير ليدلل على الظلم الواقع على النساء بسبب نظام الولاية: "قالت ناشطة اجتماعية بمستشفى الحرس الوطني في الرياض إنها محبطة من هذه السياسة، وأوضحت مثالا على عدم قدرة المستشفى على الاستجابة لحالات العنف ضد النساء: جاءت امرأة سعودية في أواخر الثلاثينات إلى المستشفى بعد أن أطلق زوجها عليها الرصاص. وقالت الناشطة الاجتماعية لـ هيومن رايتس ووتش: كان زوجها ضابط شرطة متقاعد، وهو مدمن على الخمور والمواد المخدرة. جاءت مرتين مُصابة بجرح من عيار ناري، وبعد أن عالجناها أول مرة ذهبت معها إلى الشرطة لسؤالها إن كانت تريد التقدم بشكوى. ولكي تفعل هذا فعليها أن تحصل على إذن ولي الأمر بتقديم شكوى في قسم الشرطة بحيها السكني. وبطبيعة الحال اختارت المرأة ألا تتقدم بالشكوى. وحين أطلق عليها زوجها النار للمرة الثالثة ماتت متأثرة بجراحها في المستشفى".

 

والاختلاق واضح في هذا المشهد "التراجيدي"، ولو كانت المخرجة أكثر خبرة لجعلت ضحية هذا العنف امرأة وافدة ليس لها أهل ولا أقارب، وإلاّ؛ أفتعجز هؤلاء الناشطات عن رفع الأمر إلى أهلها بل إلى الشرطة! والمعلومة المراد توصيلها من هذه القصة الملفقة هي أن النظام يمكّن الرجال من ظلم من كن تحت ولايتهن، وأن الظهير الوحيد لهؤلاء النسوة المسكينات هن ناشطات حقوق الإنسان؛ فهن من تولين علاج المرحومة ثلاث مرات، وهن اللائي أردن الانتصاف لها لولا أن القانون حال دون ذلك!

 

إذن لا بد من رفع ولاية الرجال على النساء لتحصل المرأة على الحماية والتعويض القانوني!

 

لا بد من تغيير النظام بناء على مثل هذه الحكايات حتى ولو أثبتت الإحصاءات والدراسات إخفاق مثل هذا الإجراء في كل الدنيا، وحتى لو كانت نسب جرائم العنف الأسري في بلد مثل الولايات المتحدة التي تقبع فيها هذه المنظمة أضعاف أضعاف نسبها في المملكة برغم كثرة المنظمات والجمعيات الحقوقية التي تعمل على توعية النساء هناك، وحمايتهن مما يسمونه عنف الأزواج والأصدقاء. فليس المقصود حماية المرأة، إنما المقصود هو تغيير النظام! وما المنظمة إلا أداة من أدوات التغيير.

 

والعجيب أن هذه المنظمة كغيرها مما شاكلها من منظمات؛ برغم أنها مردت على الكذب والاختلاق، إلا أن كذباتها ما تزال "فطيرة" في مواضع لا تنطلي على ذي لب. ويبدو أن عقدة الاستعلاء قد أنستها أن الملايين الذين يعيشون في المملكة والذين يجيئون ويذهبون كل عام يسمعون ويبصرون ويعقلون، ولا يعكفون على تقاريرها ليعرفوا واقع البلاد، وحقيقة ما يجري فيها.

 

ولذا فإن الوثائق التي شُفع بها التقرير –في آخره- للتدليل على التمييز الذي تنتهجه الحكومة ضد النساء قد جاءت دليلا آخر على أن مهمة ما أسموه (وفد تقصي الحقائق) كانت في الحقيقة تلفيق التهم بمعاونة من يسمين ناشطات حقوق الإنسان، فكل الأوراق الرسمية المصورة التي أرفقوها لتثبت تسلط الذكر على المرأة وأن المرأة لا حيلة لها في التصرف بغير إذن وليها في شيء البتة؛ كل تلك الوثائق كانت بياناتها مكتوبة بصيغة تخاطب المذكر!! مثلا في صورة تصريح السفر كتب: اسم صاحب الجواز (لا صاحبة)، ولا مانع من سفر حامل التصريح (لا حاملة)... إلخ.

 

وفي استمارة الدراسة التي وضعن صورتها ليدللن على أن سفر الطالبات للدراسة في الخارج يتطلب موافقة ولي الأمر دون الطلاب لإثبات وجود تمييز، فاتهن كذلك أن كل بياناتها جاءت بصيغة المذكر مثل: هل أنت موظف (لا موظفة)، أتعهد أنا الطالب (لا الطالبة)، وغيرها ما عدا خانة واحدة تخص الطالبات دون الطلاب وهي: أتعهد أنا محرم الطالبة بأن أرافقها، وفي هذا دليل على أن الاستمارة للجنسين وليس ثمة تمييز، وكذلك الحال في استمارة العمليات الجراحية التي وضعنها ليثبتن أن إجراء العمليات للنساء مشروط بموافقة ولي الأمر، برغم أن في الاستمارة الفقرة التالية: أنا الموقع أدناه أذنت ووافقت على إجراء العملية الجراحية المبينة أعلاه على نفسي أو على قريبي المدعو... فعجبًا من غباء هؤلاء الناشطات الإنسانيات! ولو فاتت القضية على الأفاكات الأعجميات لعدم تفريق اللغة الإنجليزية بين المذكر والمؤنث في غير الضمائر، فكيف فاتت على التابعات العربيات؟! أم أن هؤلاء اللاتي نصبن أنفسهن وليات على نساء المملكة جمعن بين الغباء، والجرأة على الباطل، والانقياد وراء منسوبات مثل هذه المنظمة دون وعي أو تفكير؟ فرحماك رحماك ربنا من أن تسلط على إمائك المسلمات أمثال هؤلاء الدعيات الغافلات.

 

3- التلبس الممزوج بالافتراء:

لم يكتف كاتبو التقرير بالكذب والاختلاق فيما أوردوه من قصص وشهادات، بل عمَدوا كذلك إلى التلبيس والافتراء عند الحديث عن النظم والتشريعات التي تحكم المملكة.

 

فمن افتراءات التقرير زعمه بأن الحكومة قد وضعت نظامًا يقتضي أن يكون للمرأة ولي أمر ذكر يكلف أن يتخذ القرارات الهامة في حياتها بالنيابة عنها! وأن هذا جاء من جراء التفسيرات الأكثر تقييدًا وتضييقًا للقرآن المتعدد المعاني والدلالات!

 

بل نقلوا مقررين قول بعضهم: "في غالبية الحسابات، إذا (وجب) المفاضلة بين حق المرأة وحق الآخرين، (يطالب) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء دائمًا بأن تتحمل المرأة عبء خسارة الحق"، وأعتذر من الركاكة في الجملة، لكن هكذا أثبتت.

 

ويحق لنا أن نتساءل عن هذا النظام الذي ينص على ما زعموا أين هو؟ وعن التفسيرات المشار إليها ما هي، وما حجة من حكم ببعدها؟ الجواب عند من يعي التلبيس نصوص في قضايا محددة وضعت لمصلحة المرأة أطلقوا لأنفسهم العنان لسحبها على كل تصرف من تصرفات المرأة.

 

ومن مزاعمهم الملبسة كذلك أن ما جاءت به الشريعة في شأن الولي والقيم والمحرم ربما كان مناسبًا للعصر الأول الذي لم تكن فيه دولة قانون وحقوق تكفل الأمان، وهذه مغالطة؛ فإن الحقوق كانت محفوظة مكفولة في دولة الإسلام، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام كان بين ظهراني أصحابه، يبيت بغير حرس، قريرَ العين آمنًا، مَبيتًا لا يجرؤ على أن يخاطِر بمثله في الغرب اليوم إبانَ دولة القانون في العصر الحديث أشجعُ حاكم من حكامهم. وعجبي ممن يزعمون أن العصور التي عُرِف فيها العرب بالكرم والشهامة والنجدة والمكارم حتى قبل الإسلام -فكيف بعده- لم تكن المرأةُ فيها آمنة على حقوقها، نائية من الاعتداء عليها، أما اليوم -يومَ تكاثر من لا خلاق لهم ولا أخلاق تردعهم- فقد غدت آمنة! يتلفظون بهذا الكذب ولا يستحيون، مع أن إحصائيات الواقع ودراساته التي بين أيديهم تخرق شهاداتها أعينهم، وتخبرهم بأن طبع الميل الذي جبل عليه الرجال إلى النساء لحكمة بقاء الجنس الإنساني وتكاثره لا يتغير مع تغير الزمان وإلاّ زال وجود الإنسان على هذه البسيطة، وأن ظلم القوي للضعيف لا يمنعه غير الإيمان، فمتى عري الرجل عن الدين والأخلاق فلا قانون يردعه، وهؤلاء الخالعون للباس الدين وحلية الأخلاق موجودون في كل زمان ومكان، يتكاثرون كلما بعد العهد عن عصر النبوات، وما أكثرَهم في الغرب اليوم، فهل منعهم القانون؟ لنترك إحصائيات الجريمة على جميع الأصعدة تجيب، ثم انظر إلى من يطالبون بإزاحة من نصبته الشريعة حاميًا للمرأة وظهيرًا من أقرب الأقربين إليها بإمعان لتفهم ماذا يريدون؟!

 

ومن تلبيسهم إيحاؤهم بأن ولاية الرجل على موليته ينحصر دليله في آية واحدة هي قول الله تعالى في سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، مع أن نصوص السنة في إيجاب المحرم في السفر متظاهرة، وفي تعيين الولي للمرأة كثيرة. فأعرضوا عنها كلها وحاولوا تحريف معنى الآية بما لم يقله علماء الإسلام، وهذا ديدنهم في تحريف الكلم عن مواضعه.

 

ومن تلبيسهم كذلك زعمهم بأن ما قررته الشريعة من وجوب المحرم في السفر، والولي في عقد القران؛ يقتضي أنه لا يحق للمرأة السفر إلاّ إن أذن الولي، ولا الزواج إلاّ بعد إذنه، وكأن شأن المرأة تابع لهوى الولي! وهذا تلبيس وتدليس أو فهم للشريعة خسيس، فإن إيجاب المحرم في سفر المرأة لم يشرع لتمنع من السفر بدونه أو يسقط حقها فيه، بل ليكون لها في سفرها حاميًا وظهيرًا يقوم على شأنها ويقضي حاجاتها، ولهذا فإنه ليس لهذا المحرم في شريعة الإسلام أن يمنعها سفرًا فيه مصلحة لها بمحض التحكم والهوى، بل عليه أن يصحبها إن كان سفرها لحاجة مشروعة ما لم تكن في صحبته مشقة عليه أو كلفة، فإنه لا يلزم بتحملها إلاّ إن أزالتها.

 

وكذلك شأن الولي في الزواج، فليس من حق الولي في الشريعة أن يعضل موليته؛ فإن العضل محرم بالإجماع، وليس للولي كذلك أن يتحكم في اختيارها زوجها أو رفضها، وإنما وظيفته عقد قرانها والقيام بشأنها على أن يتم ذلك وفقًا لأحكام الشريعة وما قررته من المصالح المعتبرة، إذ الحاكم الفعلي على الرجل والمرأة في الإسلام هو الشرع الذي أنزله الله ليبين للعباد طريق تحقيق الغاية من خلقهم –عبادته سبحانه- في جميع شؤونهم، وكل ذلك من احتفاء الشريعة بالمرأة وتقديرها لصفاتها ومعرفتها بما يلائمها؛ فنصبت لها وليًا يضبط بشرع الله التصرفات المتعلقة بها، ويحفظ حقوقها ويرتب لها أمورها، ويمنعها السفهاء غير الأكفاء، أو اللاعبين غير الجادين، فإن أحست بظلم منه أو تسلط فلها إلزامه الحق بالرجوع إلى قضاء الشريعة.

 

ولو ثبت تحكم الولي في المرأة بعضل فمنعها من يرضى خلقه ودينه، فإن للمرأة أن تحتكم إلى القاضي إن شاءت ليجبر الولي على عقد قرانها والقيام بشأنها. فليس المحرم أو الولي في شريعة الإسلام ذكرًا متسلطًا، بل ليس له في قانون الشريعة ذلك التسلط، ومتى ثبت أنه متسلط جائر أجبر على العدل والقيام بواجبه أتم قيام.

 

ولا يعني هذا أنه ليس له سلطان مطلقًا أو أنه مجرد خادم، بل له من السلطة ما يخوله للقيام بالخدمة وفق مقاصد الشريعة ومصالحها، فسلطته مقيدة بإنفاذ سلطان الشريعة، ومتى رأت المرأة أنه تعدى ذلك السلطان الواجب عليهما –الرجل والمرأة- الخضوع له، فلها أن تحتكم إلى القضاء ليلزم الرجل بما ألزمه اللطيف الخبير بخلقه.

 

وهذه السلطة المخولة للولي بسبب المصلحة تقر النظم الغربية وغيرها نظيرًا لها، فلا رجل عندهم ولا امرأة يسافر بدعوى المساواة والحرية هكذا متى ما شاء دون تأشيرة وإذن دخول وغيرها من الإجراءات النظامية التي وضعت لمصالح معلومة، ولم يخرج أحد مع ذلك تقريرًا مؤداه: مواطنون قاصرون إلى الأبد! ولو فعل لحق لنا أن نلعن دعاة الفوضى وحماة الجريمة. كما يحق لنا أن نلعن ثعالب البشر الداعين بشعار رفع تسلط الذكر إلى ابتذال المرأة، المطالبين بتخلي الآباء عن بناتهم والأبناء عن أمهاتهم والإخوان عن أخواتهم، ليخلو الجو لذئاب المجتمع.

 

فليس أولئك النظاميون الذين تقر الدول الغربية والشرقية ضرورة وجودهم واعتبار إذنهم بأحرصَ على مصلحة المرأة من أوليائها المقربين، الذين وضعوا بحسب قانون الشريعة لحفظ مصالحها، والقيام عنها بما لا يليق قيامها به وفقًا لخلقتها وجبلتها، ومنعوا من ظلمها ثم لم يترك الأمر إلى نزاهتهم، بل جعلت الشريعة مقاضاتها من ظلمها من أوليائها حقًا مكفولا لها.

 

ومن تلبيسهم وبنائهم الباطل على بعضِ الحق ما ذكروه في شأن السفر؛ فقد تقرر عند جماهير أهل العلم أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلاّ مع ذي محرم، وإن اختلفوا في ضابط السفر ومدته، أما هؤلاء فيريدون مخالفة جميع المسلمين في إذنهم لها بالسفر مطلقًا من غير محرم، ثم يرمون بكل وقاحة المتمسك بما عليه جماهير المسلمين بأنه متحجر يتبع تفسيرًا ضيقًا! يريدون رمي ديننا بذلك ويظنون أن الناس لا يعقلون تلبيسهم.

 

والحق أن شريعة الإسلام بأي تفسير قلبتها تقرر أهمية وجود الولي، وإن كانت طائفة خالفت الجمهور وذهبت إلى أنه ليس شرطًا، لكنها لا تجادل في أولوية وجوده، وهذا يظهر لك أن التفسيرات الأخرى للإسلام ولنصوص الوحيين التي يتحدثون عنها ليست هي تلك التفسيرات المرضية من قبل جماهير المسلمين وأصحاب المذاهب المتبوعة فيهم، وإنما هي تدليسات من قبيل مزاعم أحمد أحمد، وغيره ممن كلفته هيئة مراقبة حقوق الإنسان أن يبحث ليخالف الإجماع، وقد وقفت غير مرة على قول خبير من خبراء الشريعة بزعمهم تارة يسمون نكرة لم يعرف بعلم، وتارة لا يذكرون اسمه –ولا كبير فرق- يقرر ما يخالف به الإجماع المعلوم.

 

ومن أمثلة ذلك ما نقلوه عن خبير بالشريعة استحيوا من ذكر اسمه فقالوا: "وقال خبير آخر في الشريعة الإسلامية: إنه ليس ثمة أساس للاستنتاج بأن فقه المدرسة الحنبلية (المذهب الرسمي للسعودية) يفرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالأهلية القانونية"، والأهلية القانونية معناها صلاحية الإنسان للوجوبِ أو أداء الحقوق قانونًا، فهذا الخبير -قاتله الله!- يزعم أن الرجل والمرأة لا فرق بينهما في الصلاحية لوجوب حقوق مشروعة لهم أو عليهم، ولا فرق بينهما في صلاحية صدور فعل يعتد به قانونًا، فلا فرق بين الرجل والمرأة في الصلاحية لإيجاب النفقة، ولا فرق بينهما في الصلاحية للقوامة، ولا فرق بينهما للصلاحية في التزوج أو التزويج قانونًا ولا الإمامة ولا حق الميراث إلى غير ذلك... ثم ينسب -عليه من الله ما يستحق- هذا الباطل الصراح الذي أجمعت الأمة على خلافه للفقه الحنبلي! غير أني لا أستبعد أن يكون القوم قد حرفوا نقل بعض العلماء الذي جاء في صدد عدم التفريق في الأهلية القانونية المتعلقة بالمعاملات أو نحوها، فإن هذا الباطل والكذب الصراح لا أحسب أن مسلمًا يتجرأ على إطلاقه وهو يعي ما يقول فضلا عن أن يكون خبيرًا بالشريعة!

 

وللقوم في طيات التقرير ادعاءات أخرى ربما بنوا بعضها على مسائل جزئية فأطلقوا العنان للعبارات وعمموا تلك الجزئيات.

 

4- التحكم والترجيح بالتشهي والهوى:

إن منهجهم المتبع في تقرير تحجر المؤسسة الرسمية الدينية وكذا الدولة –بزعمهم- منهج منحرف؛ فهم يبنون تحجر الدولة وضيق التفسير المتبع فيها على أن زيدًا قال كذا مما يخالف فيه ما عليه الفتوى في البلد، حتى لو كان زيد هذا من الرؤساء الجهال الضالين المضلين، وهذا يقتضي عندهم أن التفاسير متعددة، وأن الدولة ومؤسساتها الدينية متحجرة، دون أدنى محاولة لمعرفة الحق أين يكون بين هؤلاء المختلفين لو قدر أن هؤلاء المخالفين أهل للنظر في خلافهم، فلا احتمال عند أصحاب الأهواء هؤلاء أن يكون الصواب من التفسيرات ما عليه الفتوى في البلد، بل لا بد أن تكون فتوى البلد عين الخطأ وإن كانت هي عين ما جاء به القرآن! ولو كان عند هؤلاء أدنى حظ من التفكير والنظر لعلموا أن التحجر على الدليل خير من التحجر على الهوى.

 

ولو افترضنا جدلا صحة التفسيرات الأخرى التي ادعتها المنظمة الأفاكة لنصوص الوحيين، ألا يعد سعيها لفرض تفسير محدد على المجتمع السعودي مشابهًا لما تتهم به الحكومة من فرض التفسير الآخر؟ أليست الوصاية على شعب بأكمله وتحديد التفسير الديني الذي يجب أن يتبعه هو اتهام له بالقصور؟ ولكن ليس المقصود من هذه الوصاية التيسير على الناس، ولكن المراد هو تغريب المجتمع وطمس هويته، وما المنظمة إلا واحدة من أدوات التغريب والتخريب.

 

5- محاولة إثبات الدعوى بالعويل والتباكي والصياح:

الغريب والعجيب في الأمر أن هذه المنظمة الحادبة على النساء المنافحة عنهن في المملكة تغض الطرف بل تتعامى عن الويلات التي تعانيها نساء تلك المجتمعات الغربية من عنف أسري وتحرش جنسي، حتى بلغ متوسط حالات العنف المبلغ عنها في اليوم الواحد ثماني حالات في إحدى البلدان وفقًا لبعض الصحف. أبعد ذلك يعد الظلم بسبب سوء تطبيق نظام الولاية انتهاكًا فظيعًا لحقوق الإنسان حتى لو كان حرمانًا من امتلاك هاتف نقال، ويعد عدلا بسبب التحرر والتمدن حتى لو ذهبت المرأة "في ستين داهية"! وهذا يبين أن الدعوى المرفوعة من قبل تلك المنظمة بمناصرة المرأة وانتزاع حقوقها إنما هي ذريعة تتذرع بها المنظمة لتتمكن من أداء ما هو منوط بها في المسرحية الكبيرة.

 

ختامًا نقول:

ليس هذا التقرير هو التقرير الأول فيما يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان في المملكة، ولن يكون الأخير، حتى لو التزمت الدولة بأوامر المنظمة المشبوهة وتخلت عن تحجرها المزعوم. ونظرة لحال المجتمعات العربية وموقف هذه المنظمة منها يبين حقيقة الأثر الذي تؤديه والمخطط الذي تزمع إنفاذه. فالبلدان المسلمة المسكينة التي أخذت بتفسيرات المنظمة إياها لنصوص الوحيين لم تسلم من انتقاداتها وتقاريرها. أتدرون ما هذا الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان الذي أصدرت المنظمة بشأنه أكثر من تقرير في أحد البلدان العربية المنكوبة؟ صدقوا أو لا تصدقوا إنه انتهاك حقوق المثليين. بل كان عنوان آخر تقرير حول الموضوع: يجب إلغاء الأحكام الصادرة من جرّاء السلوك المثلي. أرأيتم كيف يتدرج القوم في حمل الناس على اتباع ملتهم؟ ولن نفلح أبدًا ما لم نقل لهم إن هدى الله هو الهدى، ولن نتبع ملتكم بألسنتنا وأفعالنا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1]     وفقًا لدراسات كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية لعام 2008م.

[2]     انظر بعض النماذج لفضح تحريفاتهم للإحصائيات والدراسات والأرقام هنا:

http://www.ifeminists.net/introduction/editorials/2006/0222roberts.html

وهنا:

http://mensnewsdaily.com/2006/11/19/feminist-takeover-of-the-un-is-an-issue-of-national-security/

وللدكتور ليونارد ساكس دراسة منشورة على صفحات الإنترنت بعنوان: (single sex education ready for prime time)، أشار فيها إلى غير دراسة أفسدتها أهواء الحقوقيين فحرفت نتائجها وحقائقها.

 

 

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق